ربّما توحي كلمة ( الحجاب) والتي تعني الستر الشرعي بمعنى سلبي، وكأنّ الاسلام يريد للمرأة أن تحتجب عن المجتـمع وتنعزل عنـه فلا تمارس دورها فيه . وهذا ما قد ركّزته بعض الأحاديث الموضوعة التي تتعارض مع صريح القرآن الكريم(7) في دفع المرأة إلى ممارسـة دورها الرسالي والسـياسي والاجتماعي ، كالقـول : «النساء عيّ وعورات ، فداووا عيّهنّ بالسكوت وعوراتهنّ بالبيـوت» ، والقول : «فاحبسوا نساءكم يا معشر الرجال» وغيرها ، في حين أنّ الواقع التاريخي لمسيرة المرأة لا يلتقي مع ذلك ، فلقد كانت تخطب وتشارك في المعارك كمداوية للجرحى ، وساقية للعطاشى ، أو مستنهضة للعزائم والهِمَم ، وتساهم في النشاطات العامّة بما لا يخرجها عن حدود الالتزام والعفّة .
ولذلك فإنّ من الأنسـب في التعـبير هو ( الستر الشرعي ) ; لأنّ مصطلح الحجاب لم يرد في أيّ من كتب الشريعة ، وإنّما هو اصطلاح دارِج ، ومع ذلك فإنّنا سنستعمله في الاشارة إلى الستر .
فلماذا أراد الله للفتاة أو المرأة أن تستتر ؟
لقد أجبـنا عن ذلك بعض الإجابة ، وقد تأكّد ـ فيما سبق ـ أنّ الاسلام يريد التركيز على إنسانية المرأة دون أن يلغي خصوصيتها الاُنثوية .
ولم يُحدِّد الاسـلام شكلاً معيّناً للستر ، بل تحدّث عنه في الاطار العام والمواصفات التي يجب أن يتّصف بها لباس المرأة دون الخوض في تفاصيل اللون والشكل وتصميم الأزياء ، وذلك ضمن النقاط التالية :
1 ـ أوجب على المرأة ستر ما زاد عن الوجه والكفّين ـ وعلى بعض الآراء القدمين أيضاً ـ وذلك لغير الزوج والمحارم كالأب والعم والخال والإخوة ، وأجاز النظر إلى تلك المساحة المحدودة على اعتبار أنّ هذه المواضع ( الوجه والكفّين ) هي ممّا تحتاجه المرأة في التعامل الاجتماعي .
2 ـ أوجب عليها أن تستر فتحة الصّدر، لأ نّها من مواضع الإثارة، وذلك هو قوله تعالى: (وليضرِبنَ بخمرهنّ على جيوبهنّ )(
، والخمر جمع خمار وهو غطاء الرأس، والجيوب جمع جيب وهو فتحة الصّدر من الثوب . فالواجب على الفتاة أو المرأة المسلمة أن تُغطِّي رأسها بخمارها ، وأن تستر به صدرها ونحرها وعنقها ، حتى لاينكشف شيء من هذه المفاتن لنظرات المتطلِّعين، وحتى لاتكون المرأة المسلمة كالمرأة المتبرِّجة في الجاهلية (ولا تبرّجنَ تبرّجَ الجاهليّة الاُولى ) (9) ، لأنّ التبرّج لغةً هو إظهار ما يجب إخفاؤه . ولقد كانت المرأة في الجاهلية تخرج وتمشي بين الرجال، لها مشية تكسّر وتغنّج، وتلقي الخمار على رأسها ولاتشدّه، فتبدو في زينتها .
3 ـ أوجبَ عليها أن لا تُبدي زينتها إلاّ ما ظهر منها ، ويُقال إنّ المراد من الزينة هي الزينة الطبيعية كالشعر والمحاسن الجسمية ، فيجوز إظهار ما بدا منها ، وهما الوجـه واليدان . وأمّا الزينة الاصطناعية ، كالأصباغ والمسـاحيق ، فلا يجـوز إظهارها (وإن يستعففنَ خير لهنّ ) (10) .
ولقد صدق مَن قال : «لقد تساهل الاسلام مع المسنّات وشدّد على الشابّات ـ في مسألة الحجاب ـ ولكن جاء العمل على عكس ما أمر القرآن الكريم، حيث نرى التبرّجوالتهتّك في الشابّات والتستّر والتحفّظ من المسنّات ، فتساهلنَ فيما شددّ الله ، وتشدّدن فيما تساهل» (11) .
4 ـ في الستر الشرعي، أراد الاسلام لملابس المرأة أن تكون موافقة لشروطه ، وهي :
أ ـ أن تغطِّي جميع الجسم عدا المستثنى منه (ما ظهر منها ) .
ب ـ أن لا يشفّ ولا يصف ما تحته ، أي أن لا يكون رقيقاً يحكي البشرة ويبرزها .
ج ـ أن لا يحدِّد أجزاء الجسم أو يبرز مفاتنه ، أي أن لا يكون مثيراً للشهوات ، وذلك قوله تعالى : (يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ )(12)، وأن لايكون مصداقاً للتبرّج بأن ترتدي الفتاة أو المرأة لباساً يستر جسدها ، لكن موضته ـ أي طريقة صناعته أو خياطته ـ تخلق حالة من الإثارة ربّما تفوق إظهار المفاتن /منقول/